فصل: (فَرْعٌ): (فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(كِتَابُ الْغَصْبِ):

وَجِنَايَةِ الْبَهَائِمِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْإِتْلَافِ.

.[مَعْنَى الْغَصْبِ وَحُكْمُهُ وَأَحْكَامُهُ]:

وَهُوَ مَصْدَرُ غَصَبَ يَغْصِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيُقَالُ: اغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ} وَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، وَالسَّرِقَةُ نَوْعٌ مِنْ الْغَصْبِ. وَرَوَى جَابِرٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رَوَاه مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ. وَالْغَصْبُ فِي الشَّرْعِ (اسْتِيلَاءُ غَيْرِ حَرْبِيٍّ) بِفِعْلٍ يُعَدُّ الِاسْتِيلَاءُ (عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ) مِنْ مَالٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ (قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ)، فَتَخْرُجُ الشُّفْعَةُ، وَمِنْهُ الْمَأْخُوذُ مَكْسًا وَنَحْوُهُ، فَلَا يَحْصُلُ بِلَا اسْتِيلَاءٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اسْتِيلَاءَ الْحَرْبِيِّ عَلَى مَالِنَا لَيْسَ غَصْبًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّ السَّرِقَةَ وَالنَّهْبَ وَالِاخْتِلَاسَ لَيْسَتْ غَصْبًا؛ لِعَدَمِ الْقَهْرِ فِيهَا وَأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيهِ لَيْسَ غَصْبًا؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَكُونُ اسْتِيلَاءُ مُسْتَأْجِرٍ (عَلَى) عَيْنٍ (مُؤَجَّرَةٍ بِأُجْرَةٍ) مَعْلُومَةٍ مَعَ فَلَسِ مُسْتَأْجِرٍ غَصْبًا، (وَ) لَا اسْتِيلَاءُ مُشْتَرٍ عَلَى شِقْصٍ (بِيعَ بِثَمَنٍ) مَعْلُومٍ (مَعَ) ظُهُورِ (فَلَسِ) مُشْتَرٍ غَصْبًا، لِمُصَادَفَةِ ذَلِكَ عَقْدًا صَحِيحًا ابْتِدَاءً، وَظُهُورُ الْفَلَسِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُضْمَنُ عَقَارٌ)- بِفَتْحِ الْعَيْنِ- بِغَصْبٍ، لِحَدِيثِ: «مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبْعِ أَرَضِينَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ؛ وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ». وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ؛ كَسُكْنَاهُ الدَّارَ وَمَنْعِ صَاحِبِهَا مِنْهَا؛ أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ.
(وَ) تُضْمَنُ (أُمُّ وَلَدٍ) بِغَصْبٍ؛ لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى الْمَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فِي الْإِتْلَافِ؛ لِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً كَالْقِنِّ؛ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، فَلَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ.
(وَ) يُضْمَنُ (قِنٌّ بِغَصْبٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى- وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ- كَسَائِرِ الْمَالِ. (وَاسْتِيلَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَمَنْ رَكِبَ دَابَّةً وَاقِفَةً) لَيْسَ عِنْدَهَا رَبُّهَا، أَوْ كَانَ عِنْدَهَا لَكِنْ رَكِبَهَا (بِلَا إذْنِهِ؛ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَلَوْ لَمْ يُسَيِّرْهَا)، بَلْ تَرَكَهَا وَاقِفَةً. وَلَا يَحْصُلُ الْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِيلَاءِ (فَمَنْ دَخَلَ أَرْضِ شَخْصٍ أَوْ دَارِهِ)، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ (بِلَا إذْنِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ إيَّاهَا)؛ لَمْ يَضْمَنْ بِدُخُولِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ؛ كَمَا لَوْ دَخَلَ صَحْرَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ مَا يَضْمَنُ بِالْعَارِيَّةِ، وَهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَارِيَّةُ، وَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ فِيهَا؛ فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَصْبُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ.
فَائِدَةٌ:
لَا يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ نَقْلُ الْعَيْنِ، فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ، فَلَوْ دَخَلَ دَارًا قَهْرًا وَأَخْرَجَ رَبَّهَا؛ فَغَاصِبٌ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ قَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ، أَوْ دَخَلَ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَقُوَّتِهِ؛ فَلَا، وَإِنْ دَخَلَ قَهْرًا، أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ؛ فَقَدْ غَصَبَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، إنْ لَمْ يُرِدْ الْغَصْبَ فَلَا، وَإِنْ دَخَلَهَا قَهْرًا فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا؛ فَغَاصِبٌ- وَلَوْ كَانَ فِيهَا قُمَاشُهُ- ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَلَا تَثْبُتُ يَدُ غَاصِبٍ عَلَى بُضْعٍ)- بِضَمِّ الْبَاءِ- وَجَمْعُهُ أَبْضَاعٌ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ، يُطْلَقُ عَلَى الْفَرْجِ وَالْجِمَاعِ وَالتَّزْوِيجِ، وَالْبِضَاعُ الْجِمَاعُ لَفْظًا وَمَعْنًى، (فَيَصِحُّ) مِنْ مَالِكٍ (تَزْوِيجُ أَمَةٍ غُصِبَتْ) وَهِيَ بِيَدِ غَاصِبِهَا- وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً، (وَلَا يَضْمَنُ) الْغَاصِبُ (مَهْرَهَا لَوْ) حَبَسَهَا عَنْ النِّكَاحِ حَتَّى (فَاتَ) نِكَاحُهَا (بِكِبَرِهَا، وَلَا) يَضْمَنُ الْغَاصِبُ (نَفْعَهُ)- أَيْ: الْبُضْعَ- لِأَنَّ النَّفْعَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ إذَا كَانَ مِمَّا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ بِالْإِجَارَةِ، وَالْبُضْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَإِنْ غَصَبَ) شَخْصٌ (خَمْرَ مُسْلِمٍ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ) مِنْهَا إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ خَلًّا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ، وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا تَخَلَّلَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ، فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ، وَقَوْلُهُ: مُسْلِمٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ خَمْرُ الذِّمِّيِّ إذَا تَخَلَّلَ بِيَدِ الْغَاصِبِ يَجِبُ رَدُّهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ قَبْلَ التَّخَلُّلِ، فَبَعْدَهُ أَوْلَى.
وَ(لَا) يَضْمَنُ (مَا تَخَلَّلَ مِمَّا جَمَعَ) مِنْ خَمْرٍ (بَعْدَ إرَاقَةٍ)، فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؛ لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا بِالْإِرَاقَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ)- أَيْ: الْمُتَخَلَّلُ بَعْدَ الْإِرَاقَةِ- (لِمُرِيقِهِ) يَمْلِكُهُ بِحَوْزِهِ كَالْمَاءِ وَالْكَلَأِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَمَعَهُ غَيْرُهُ، فَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْإِرَاقَةِ لَمْ يَكُنْ مَالًا، فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ مِلْكٌ بِمُجَرَّدِهَا، بَلْ بِجَمْعِهِ بَعْدَ التَّخْلِيلِ، (إلَّا أَنْ تُحِيلَ) الْمُرِيقَ عَلَى التَّخْلِيلِ، فَيَمْنَعُ مِنْ تَنَاوُلِهَا، لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ رَدُّ خَمْرَةِ ذِمِّيِّ مُسْتَتِرَةٍ) غُصِبَتْ (كَخَمْرِ خَلَّالٍ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ إمْسَاكِهَا، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ دُهْنًا مُتَنَجِّسًا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ.
(وَ) يَجِبُ رَدُّ (كَلْبٍ يُقْتَنَى) كَكَلْبٍ لِصَيْدٍ وَمَاشِيَةٍ وَحَرْثٍ؛ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَ(لَا) يَجِبُ رَدُّ (قِيمَتِهَا)- أَيْ: الْخَمْرَ- لِذِمِّيٍّ أَوْ خَلَّالٍ، وَلَا الْكَلْبِ (مَعَ تَلَفٍ)؛ لِتَحْرِيمِهِمَا؛ فَهُمَا كَالْمَيْتَةِ. (وَلَا) يَلْزَمُ رَدُّ (جِلْدِ مَيْتَةٍ غُصِبَ)- وَلَوْ دَبَغَهُ- (لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ (يَلْزَمُ رَدُّهُ)- أَيْ: جِلْدَ الْمَيِّتَةِ الَّذِي دُبِغَ- إنْ كَانَ (بَاقِيًا لِمَنْ يَرَى طَهَارَتَهُ)؛ كَحَنَفِيٍّ غَصَبَهُ آخَرُ جِلْدَ مَيْتَةٍ بِطُهْرٍ لَوْ دُبِغَ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَوِّلٌ عِنْدَهُ، (وَكَذَا أَكْلُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ)؛ كَدُهْنٍ مُتَنَجِّسٍ غُصِبَ مِمَّنْ يَرَى طَهَارَتَهُ بِغَسْلِهِ، فَيَلْزَمُ رَدُّهُ إلَيْهِ، (وَ) إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى (الْحَاكِمِ)؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ (يَحْكُمَ) إلَّا (بِمَذْهَبِهِ)، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ حُكِمَ بِرَدِّهِ، وَإِلَّا فَلَا، (وَمَعَ تَلَفِ) الْجِلْدِ (لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ) بِرَدِّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ، وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ يَجِبُ رَدُّهُ حَيْثُ قُلْنَا: يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا كَالْكَلْبِ الْمُقْتَنَى، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْمُوضِحُ وَقَالَ: وَصَرَّحُوا بِوُجُوبِ رَدِّهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ) كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا (بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ)؛ بِأَنْ حَبَسَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ وَالشُّرْبَ، فَمَاتَ عِنْدَهُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا عَلَى الْحُرِّ، (وَتُضْمَنُ ثِيَابُ) حُرٍّ (صَغِيرٍ وَحُلِيِّهِ)- وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ عَنْهُ- لِأَنَّهُ مَالٌ، وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مُمَانَعَةَ مِنْهُ عَنْ ذَلِكَ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ مُنْفَرِدًا. وَعَلَى مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ رَدُّهُ إلَيْهِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَ(لَا) يَضْمَنُ (هُوَ)- أَيْ: الصَّغِيرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَمَحَلُّ عَدَمِ ضَمَانِ الصَّغِيرِ، (مَا لَمْ يَغُلَّهُ)؛ أَيْ: يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ حَدِيدَةً مُسْتَدِيرَةً، (أَوْ يُتْلِفَ الصَّغِيرَ بِنَحْوِ حَيَّةٍ) بِأَنْ يُلْقِيَهُ مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ، فَتَمُرُّ بِهِ دَابَّةٌ فَتَقْتُلُهُ، (كَمَا) يَأْتِي (فِي الدِّيَاتِ) مُفَصَّلًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، (وَيَتَّجِهُ وَمَعَ بَقَاءِ صَغِيرٍ) فِي الْحَيَاةِ (يُلْزَمُ) الْغَاصِبُ (بِتَحْصِيلِهِ)، وَرَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تُضْمَنُ (دَابَّةٌ) غُصِبَتْ، وَ(عَلَيْهَا مَالِكُهَا الْكَبِيرُ وَمَتَاعُهُ)؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالتِّسْعِينَ. (وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ)- أَيْ: الْحُرَّ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا- (كُرْهًا) فِي خِدْمَةٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ؛ لِاسْتِيفَائِهِ مَنَافِعَهُ الْمُتَقَوِّمَةَ، فَضَمِنَهَا؛ كَمَنَافِعِ الْيَدِ، (أَوْ حَبَسَهُ)- أَيْ: الْحُرَّ- (مُدَّةً) لَهَا أُجْرَةٌ (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) مُدَّةَ حَبْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةَ الْحَبْسِ، وَهِيَ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا؛ فَضُمِنَتْ بِالْغَصْبِ؛ كَمَنَافِع الْعَبْدِ، وَلَا أُجْرَةَ (إنْ مَنَعَ) إنْسَانٌ آخَرَ- (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْنُوعُ (قِنًّا)- (الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ)، وَلَا حَبْسٍ؛ لِعَدَمِ تَلَفِهَا تَحْتَ يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَوْ سَيِّدِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ؛ كَمَا لَا يُضْمَنُ هُوَ وَلَا ثِيَابُهُ إذَنْ. (وَلَا يُضْمَنُ رِبْحٌ فَاتَ) عَلَى مَالِكٍ (بِحَبْسِ) غَاصِبٍ (مَالَ تِجَارَةٍ) مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَرْبَحَ فِيهَا إذَا لَمْ يَتَّجِرْ فِيهِ غَاصِبٌ؛ كَمَا لَوْ حَبَسَ عَبْدًا يُرِيدُ مَالِكُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ صِنَاعَةً مُدَّةً يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ الصِّنَاعَةَ فِيهَا، فَإِنَّ الصِّنَاعَةَ لَا تَقُومُ عَلَى غَاصِبٍ فِي تَضْمِينِ مَنَافِعِهِ، وَلَا فِي تَضْمِينِ عَيْنِهِ، إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا.

.(فَصْلٌ): [ما يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ]:

(وَيَجِبُ عَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ) إلَى مَحِلِّهِ الَّذِي غُصِبَ مِنْهُ إنْ (قَدَرَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى رَدِّهِ- بِأَنْ كَانَ بَاقِيًا، (وَلَوْ) كَانَ رَدُّهُ (بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ)- أَيْ: لِمَغْصُوبٍ- (لِكَوْنِهِ بُنِيَ عَلَيْهِ)؛ بِأَنْ غَصَبَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ، فَبَنَى عَلَيْهِ، وَاحْتَاجَ فِي إخْرَاجِهِ وَرَدِّهِ إلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، (أَوْ) لِكَوْنِهِ (بَعِيدًا)؛ بِأَنْ حَمَلَ مَغْصُوبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ بِحَيْثُ تَكُونُ أُجْرَةُ حَمْلِهِ إلَى الْبَلَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ، (أَوْ خُلِطَ بِمُتَمَيِّزٍ)؛ بِأَنْ غَصَبَ شَعِيرًا، فَخَلَطَهُ بِذُرَةٍ (وَنَحْوِهِ)؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ حَيَوَانًا وَأَفْلَتَهُ بِمَكَانٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، لَكِنَّهُ تَعَسَّرَ مَسْكُهُ فِيهِ، وَيَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى أُجْرَةٍ؛ فَتَلْزَمُ الْغَاصِبَ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِحَدِيثِ: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَإِذَا أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلِيَرُدَّهَا إلَيْهِ، أَوْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ أَزَالَ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَزِمَهُ إعَادَتُهَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُلْزَمُ غُرْمَ تَخْلِيصِهِ وَمُؤْنَةَ حَمْلِهِ، فَلِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِغُرْمِهِ مِنْ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَصْلَحَةِ الْمُتَعَدِّي. (وَإِنْ قَالَ رَبُّ) مَغْصُوبٍ (عَبْدٍ) لِغَاصِبٍ بَعَّدَهُ عَنْ بَلَدِ الْغَصْبِ: (دَعْهُ) بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهَا، (وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدِ غَصْبِهِ)، أَوْ طَلَبَ مِنْ الْغَاصِبِ حَمْلَ الْمَغْصُوبِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ؛ (لَمْ يَجِبْ)؛ أَيْ: لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَلَا يَسْتَرِدُّهُ، فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ رَدَّ الْمَغْصُوبِ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَطْ؛ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَى جَمِيعِ الْمَسَافَةِ، فَلَزِمَهُ إلَى بَعْضِهَا كَمَا لَوْ أَسْقَطَ رَبُّ الدَّيْنِ عَنْ الْمَدِينِ بَعْضَ الدَّيْنِ، وَطَلَبَ مِنْهُ بَاقِيَهُ، وَمَهْمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. (وَإِنَّ سَمَّرَ) الْغَاصِبُ (بِالْمَسَامِيرِ) الْمَغْصُوبَةِ (بَابًا) أَوْ غَيْرَهُ؛ (قَلَعَهَا) وُجُوبًا، (وَرَدَّهَا)؛ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ مِنْ الْخَشَبَةِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْمَالِكُ بِقَلْعِهَا، فَيَلْزَمُهُ الْقَلْعُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ لِلْغَاصِبِ، فَوَهَبَهَا لِلْمَالِكِ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورِ؛ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْعَامِلَ. (وَإِنْ زَرَعَ) الْغَاصِبُ (الْأَرْضَ) الْمَغْصُوبَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا- وَقَدْ حَصَدَ زَرْعَهُ- (فَلَيْسَ لِرَبِّهَا)- أَيْ: الْأَرْضِ- (بَعْدَ حَصْدِ) الزَّرْعِ (إلَّا الْأُجْرَةَ)- أَيْ: أُجْرَةَ الْمِثْلِ عَنْ الْأَرْضِ إلَى تَسْلِيمِ الْغَاصِبِ- لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ؛ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ تُضْمَنَ كَالْعَيْنِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْصِ إنْ نَقَصَتْ؛ كَسَائِرِ الْغُصُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ، فَنَقَصَتْ لِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ؛ كَأَرَاضِي الْبَصْرَةِ، أَوْ نَقَصَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ؛ ضَمِنَ نَقْصَهَا؛ لِحُصُولِهِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الْأَرْضَ رَبُّهَا- وَالزَّرْعُ قَائِمٌ- فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ؛ لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً، فَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ، وَأَدْخَلَهَا لُجَّةَ الْبَحْرِ؛ لَا يُجْبَرُ عَلَى إلْقَائِهِ فَكَذَا هُنَا؛ صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنْ التَّلَفِ، وَفَارَقَ الشَّجَرَ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَحَدِيثُ: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ». مَحْمُولٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَنَا فِي الزَّرْعِ، فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَيُخَيَّرُ) مَالِكٌ (قَبْلَهُ)- أَيْ: قَبْلَ حَصَادِهِ- (وَلَوْ) كَانَ الْمَالِكُ (مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ)- أَيْ: مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا (بَيْنَ تَرْكِهِ)- أَيْ: الزَّرْعَ- (إلَيْهِ)- أَيْ: إلَى الْحَصَادِ- (بِأُجْرَتِهِ)- أَيْ: أُجْرَةِ مِثْلِهِ- وَأَرْشِ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ، (أَوْ تَمَلُّكٍ)- أَيْ: الزَّرْعَ- (بِنَفَقَتِهِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُ، فَمَلَكَ الْخِيرَةَ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ، (وَهِيَ مِثْلُ الْبَذْرِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ) وَغَيْرِهِمَا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: «وَلَهُ نَفَقَتُهُ».
قَالَ الْإِمَامُ: إنَّمَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحُكْمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ- أَيْ: اسْتِحْسَانًا لِلْعَمَلِ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمُتَقَدِّمِ- وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِحْسَانَ الْأُصُولِيَّ الَّذِي هُوَ فِي اللُّغَةِ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ حَسَنًا، وَفِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ الْعُدُولُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَمِلَ الْحَرْثَ وَنَحْوَهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَقَوِّمٌ اُسْتُهْلِكَ لِمَصْلَحَةِ الزَّرْعِ، فَوَجَبَ رَدُّ عِوَضِهِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِلَهُ، وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَتِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِنَفَقَتِهِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ رَبِّ الْأَرْضِ، فَمَلَكَ الْخِيرَةَ بَيْنَهُمَا، وَحَيْثُ اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ؛ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْغَاصِبِ لِمُدَّةِ مُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَيُذَكِّي الزَّرْعَ رَبُّ الْأَرْضِ إنْ أَخَذَهُ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ؛ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، إنْ تَمَلَّكَهُ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ؛ فَذَكَاتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَقْتَ وُجُوبِهَا، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ، وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ، وَلِرَبِّهَا قَسْمُ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ قَالَ: وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَهُ أَوْ يُهَايِئَهُ فِيهَا فَأَبَى؛ فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فِيهَا بَيْتَانِ، سَكَنَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ انْتَهَى، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ. (وَإِنْ غَرَسَ) غَاصِبٌ (أَوْ بَنَى فِيهَا)- أَيْ: الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ- (أُخِذَ)؛ أَيْ: أُلْزِمَ (بِقَلْعِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ) إذَا طَلَبَ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ». وَالْعُمُّ الطِّوَالُ.
قَالَ أَحْمَدُ: (وَ) أُخِذَ الْغَاصِبُ أَيْضًا (بِتَسْوِيَتِهَا)- أَيْ: الْأَرْضِ- (وَأَرْشِ نَقْصِهَا)؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ؛ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ كَغَيْرِهِ، (وَ) عَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا)- أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ- مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا ذَهَبَتْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا كَالْأَعْيَانِ، (حَتَّى وَلَوْ كَانَ) الْغَاصِبُ (أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، (أَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا) الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي فِيهَا، (لَكِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ) لِلتَّعَدِّي. (وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ الْأَرْضِ (أَخْذَهُ)- أَيْ: الْبِنَاءَ أَوْ الْغِرَاسَ- مِنْ الْغَاصِبِ مَجَّانًا وَلَا (بِقِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْغَاصِبِ، فَلَمْ يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ؛ كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثْلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ، وَلِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَيْهَا وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ.
فَائِدَةٌ:
إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْغِرَاسِ؛ فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الْغِرَاسِ، حَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. (وَلَوْ) أَدْرَكَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (الثَّمَرَ) فِيهَا وَأَرَادَ أَخْذَهُ (فَقَطْ) دُونَ أَصْلِهِ (قَهْرًا)؛ مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرُ شَجَرِ الْغَاصِبِ، فَكَانَ لَهُ؛ كَالْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَلَبَنِ الشَّاةِ وَنَسْلِهَا، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ؛ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا صَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ؛ لِلْأَثَرِ، فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَا يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ تُفَارِقُ الزَّرْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ الْأَرْضِ، فَكَانَ لِصَاحِبِهَا، وَالثَّمَرُ نَمَاءُ الشَّجَرِ؛ فَكَانَ لِصَاحِبِهِ. الثَّانِي- أَنَّهُ يَرُدُّ عِوَضَ الزَّرْعِ إذَا أَخَذَهُ مِثْلُ الْبَذْرِ الَّذِي نَبَتَ مِنْهُ الزَّرْعُ مَعَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ وَلَا يُمْكِنُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ غَصَبَ شَجَرًا فَأَثْمَرَ؛ فَالثَّمَرُ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ عَيْنَ مِلْكِهِ نَمَا وَزَادَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَتْ أَغْصَانُهُ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَصَارَ تَمْرًا، أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِعَمَلِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلشَّجَرِ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهَا لَا تَجُوزُ فِي الْعُقُودِ؛ فَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ، وَإِنْ نَفَعَ الشَّجَرَ تَرْبِيَةُ الثَّمَرِ وَإِخْرَاجُهُ، وَقَدْ عَادَتْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ إلَى الْمَالِكِ، وَلَوْ كَانَتْ مَاشِيَةً؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ وَلَدِهَا إنْ وَلَدَتْ عِنْدَهُ، وَضَمَانُ لَبَنِهَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَيَضْمَنُ أَوْبَارَهَا، وَأَشْعَارَهَا بِمِثْلِهِ؛ كَالْقُطْنِ. (وَإِنْ وَهَبَ) الْغَاصِبُ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ (لِمَالِكِهَا)- أَيْ: الْأَرْضِ- لِيَتَخَلَّصَ مِنْ قَلْعِهِ، فَقَبِلَهُ الْمَالِكُ؛ جَازَ؛ لِتَرَاضِيهِمَا، وَإِنْ أَبَى الْمَالِكُ قَبُولَ ذَلِكَ، وَكَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، أَوْ لَا؛ (لَمْ يُجْبَرْ) رَبُّ الْأَرْضِ (عَلَى قَبُولِهِ) مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ.
(وَ) إنْ زَرَعَ الْغَاصِبُ فِيهَا (نَوًى)، فَصَارَ شَجَرًا، فَحُكْمُهُ (كَغَرْسٍ) كَمَا تَقَدَّمَ، (وَنَحْوُ رَطْبَةٍ) كَنَعْنَاعٍ وَبُقُولٍ مِمَّا يَخْرُجُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَقِثَّاءٍ) يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ وَبَاذِنْجَانٍ؛ (كَزَرْعٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ فِي أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إذَا أَدْرَكَهُ قَائِمًا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِنَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ قَوِيٌّ، أَشْبَهَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ. (وَمَتَى كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوب)؛ بِأَنْ كَانَ فِيهِ لَبِنًا أَوْ آجُرًّا، أَوْ ضَرَبَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَبَنَى بِهِ فِيهِ؛ فَعَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً)؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مِلْكٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْغَاصِبِ لِبِنَائِهِ، (وَلَا يَمْلِكُ) غَاصِبٌ (هَدْمَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فِيهِ، فَإِنْ نَقَضَهُ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْضِ الْحَاصِلِ بِنَقْضِهِ، (وَإِلَّا) تَكُنْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ الْمَغْصُوبِ، بَلْ إنْ كَانَتْ لِلْغَاصِبِ؛ بِأَنْ بَنَاهَا بِلَبِنٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهَا، (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا غَصَبَ الْأَرْضَ وَحْدَهَا، وَأَمَّا بِنَاؤُهُ بِآلَاتِهِ فَلَهُ. (فَلَوْ أَجَّرَهُمَا)؛ أَيْ: أَجَّرَ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ وَبِنَاءَهَا الَّذِي لَيْسَ مِنْهَا؛ (فَالْأُجْرَةُ) الْمُسْتَقِرَّةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَرَبِّ الْأَرْضِ (بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا)؛ أَيْ: تُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالْمُحَاصَّةِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَأَجْرِ الْبِنَاءِ، فَيَنْظُرُ كَمْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مَبْنِيَّةً ثُمَّ أُجْرَتُهَا خَالِيَةً؛ فَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ، فَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِأُجْرَةِ مَالِهِ، وَلَوْ جَصَّصَ الْغَاصِبُ الدَّارَ أَوْ زَوَّقَهَا؛ فَحُكْمُهُ كَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِمَا لَا حُرْمَةَ لَهُ. (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مَنْقُولًا مِنْ) شَخْصٍ (وَاحِدٍ فَغَرَسَهُ)- أَيْ الْغِرَاسَ (فِيهَا)- أَيْ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ- فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي نَظِيرِ فِعْلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (وَلَمْ يَمْلِكْ) الْغَاصِبُ (قَلْعَهُ)؛ لِأَنَّ مَالِكَهَا وَاحِدٌ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ بِلَا إذْنِهِ، (وَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- (إنْ فَعَلَ)؛ أَيْ: قَلَعَ الْغِرَاسَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكٍ، تَسْوِيَتُهَا وَنَقْصُهَا وَنَقْصُ غِرَاسِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (أَوْ طَلَبَهُ)- أَيْ: الْقَلْعَ- (رَبُّهُمَا)- أَيْ: رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ- (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ)؛ بِأَنْ كَانَ لَا يُنْتَجُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مَثَلًا (لَا عَبَثٍ)؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْعَبَثِ (تَسْوِيَتُهَا)- أَيْ الْأَرْضِ- وَعَلَيْهِ أَرْشُ (نَقْصِهَا، وَ) أَرْشُ (نَقْصِ غِرَاسٍ)؛ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ الْمَالِكِ؛ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ أُجْرَةُ الْمَغْصُوبِ مَبْنِيًّا؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مِلْكٌ لِرَبِّهَا، وَتَقَدَّمَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ وَيَلْزَمُهُ)- أَيْ الْقَابِضَ- (عَوْدُهُ)- أَيْ الْغِرَاسِ- إذَا قَلَعَهُ بِدُونِ إذْنِ مَالِكِ الْأَرْضِ (حَيْثُ) تَقَرَّرَ أَنَّهُ (لَا يَمْلِكُ) الْغَاصِبُ (قَلْعَهُ)؛ كَمَا لَوْ هَدَمَ بِنَاءً، فَيَلْزَمُهُ عَوْدُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا لِرَجُلٍ، وَ) غَصَبَ (غَرْسًا لِ) شَخْصٍ (آخَرَ، فَغَرَسَهُ فِيهَا)- أَيْ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ- ثُمَّ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي مُؤْنَةِ الْقَلْعِ؛ (فَمُؤْنَةُ قَلْعٍ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى غَاصِبٍ)؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي غُرْمِهِ، وَكَذَا إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ بِبَذْرِ الْغَيْرِ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهُ وَلَا قَلْعُهُ، بَلْ يَبْقَى لِمَالِكِهِ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِعُدْوَانِهِ. (وَإِنْ غَصَبَ خَشَبًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً؛ قُلِعَ) إنْ كَانَتْ فِي السَّاحِلِ أَوْ فِي لُجَّةٍ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ قَلْعِهِ لِكَوْنِهِ فِي أَعْلَاهَا وَدُفِعَ لِرَبِّهِ بِلَا إهْمَالٍ؛ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا، (وَيُمْهَلُ) لِقَلْعٍ (مَعَ خَوْفٍ) عَلَى سَفِينَةٍ بِقَلْعِهِ؛ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يَخَافُ مِنْهُ دُخُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا وَهِيَ فِي اللُّجَّةِ (حَتَّى تُرْسِي) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ قَلْعُهُ إلَى إفْسَادِ مَا فِي السَّفِينَةِ مِنْ الْمَالِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ بَعْدَ زَمَنٍ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مَالُ غَيْرِهِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِرْسَاءُ لِبُعْدِ الْبَرِّ؛ (فَلِمَالِكِ) خَشَبٍ مَغْصُوبٍ (أَخْذُ قِيمَتِهِ)؛ لِلتَّضَرُّرِ بِرَدِّ عَيْنِهِ إذَنْ، فَإِذَا أَمْكَنَ رَدُّ الْخَشَبِ إلَى رَبِّهِ اسْتَرْجَعَهُ، وَرَدَّ الْقِيمَةَ؛ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأُجْرَةُ إلَى حِينِ بَذْلِهِ الْقِيمَةَ فَقَطْ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِبَذْلِهَا، بَلْ يَمْلِكُهَا رَبُّهُ، (وَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- (أُجْرَتُهُ)- أَيْ: الْخَشَبَ- (إلَى قَلْعِهِ) لِذَهَابِ مَنَافِعِهِ بِيَدِهِ، (وَ) عَلَيْهِ أَرْشُ (نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَ؛ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ.

.(فَرْعٌ): [فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا]:

(مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَحُكْمُهَا فِي جَوَازِ دُخُولِ غَيْرِهِ إلَيْهَا) كَحُكْمِهَا (قَبْلَ غَصْبٍ). فَحُكْمُ أَرْضٍ (مَحُوطَةٍ كَدَارٍ وَبُسْتَانٍ) وَحَانُوتٍ (لَا يَجُوزُ) دُخُولُ غَيْرِهِ إلَيْهَا، وَأَمَّا هُوَ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. وَحُكْمُ (غَيْرِهَا)- أَيْ: غَيْرِ الْمَحُوطَةِ- (كَصَحْرَاءَ وَخَانٍ) وَمَدْرَسَةٍ وَزَاوِيَةٍ مَغْصُوبَةٍ (يَجُوزُ) دُخُولُ غَيْرِ الْغَاصِبِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ قَبْلَ الْغَصْبِ فَبَعْدَهُ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

.(فَصْلٌ): [فِيمَنْ غَصَبَ مَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ]:

(وَإِنْ غَصَبَ مَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ) حَيَوَانٍ (مُحْتَرَمٍ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، (وَخِيفَ بِقَلْعِهِ)- أَيْ: الْخَيْطِ- (ضَرَرُ آدَمِيٍّ)؛ لَمْ يُقْلَعْ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، (أَوْ) خِيفَ مِنْ قَلْعِهِ (تَلَفُ غَيْرِهِ)- أَيْ: الْآدَمِيِّ- (فـَ) عَلَى الْغَاصِبِ (قِيمَتُهُ)- أَيْ: الْخَيْطِ- لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ، فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ- وَهُوَ الْقِيمَةُ- وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ آكَدُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ، وَلِهَذَا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَا يُطْعَمُهُ الْحَيَوَانُ لِأَجْلِ تَبْقِيَتِهِ، وَكَذَا لَوْ شَدَّ بِالْمَغْصُوبِ جُرْحًا يَشْخَبُ دَمُهُ، أَوْ جَبَرَ بِهِ نَحْوَ سَاقٍ مَكْسُورٍ. وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْخِنْزِيرِ، فَإِذَا خَاطَ جُرْحَ ذَلِكَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ؛ وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ ذِي حُرْمَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا. (وَإِنْ حَلَّ) حَيَوَانٌ خِيطَ جُرْحُهُ بِمَغْصُوبٍ (لِغَاصِبٍ) كَشَاتِه وَبَقَرَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَخِيفَ مَوْتُهُ بِقَلْعِهِ (أُمِرَ) غَاصِبٌ (بِذَبْحِهِ)- أَيْ: الْحَيَوَانِ- وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْخَيْطِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلْأَكْلِ كَالْخَيْلِ، (وَيَرُدُّهُ)- أَيْ: الْخَيْطَ لِرَبِّهِ- لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّهِ بِذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَالِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ، وَلَا أَثَرَ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ؛ لِتَعَدِّيهِ؛ كَمَا يُرَدُّ الْخَيْطُ (بَعْدَ مَوْتِ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ آدَمِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ؛ لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ، فَتَتَعَيَّنُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ الَّذِي خِيطَ جُرْحُهُ مُحْتَرَمًا غَيْرَ مَأْكُولٍ؛ رَدَّ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْخَيْطِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ آكَدُ؛ لِمَا سَبَقَ. (وَمَنْ غَصَبَ جَوْهَرَةً) مَثَلًا، (فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ) بِتَفْرِيطِهِ أَوْ لَا؛ (فَكَذَلِكَ)؛ أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ الَّذِي خَاطَ بِهِ جُرْحَهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. (وَلَوْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ شَخْصٍ) مَثَلًا (جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ، وَلَا تَخْرُجُ) أَيْ: تَعَذَّرَ إخْرَاجُ الْجَوْهَرَةِ (إلَّا بِذَبْحِهَا، وَهُوَ)- أَيْ: ذَبْحُهَا- (أَقَلُّ ضَرَرٍ) مِنْ ضَرَرِ تَرْكِهَا؛ (ذُبِحَتْ، وَعَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ مَا نَقَصَ بِهِ)- أَيْ: بِالذَّبْحِ- لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا) حِينَ ابْتِلَاعِهَا الْجَوْهَرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ مِمَّا نَقَصَهُ الذَّبْحُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الضَّرَرُ عَلَى الْمُفَرِّطِ. (وَإِنْ حُصِلَ رَأْسُهَا)- أَيْ: الشَّاةِ- وَنَحْوِهَا (بِإِنَاءٍ وَلَمْ يَخْرُجْ) رَأْسُهَا (إلَّا بِذَبْحِهَا أَوْ كَسْرِهِ)- أَيْ: الْإِنَاءِ- (وَلَمْ يُفَرِّطَا)- أَيْ: رَبَّ الشَّاةِ وَرَبَّ الْإِنَاءِ؛ (كُسِرَ) الْإِنَاءُ؛ لِرَدِّ مَا حَصَلَ فِيهِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ لِرَبِّهِ، (وَعَلَى مَالِكِهَا)- أَيْ: الْبَهِيمَةِ- (أَرْشُهُ) لِتَخْلِيصِ مَالِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُ الْإِنَاءِ وَأَخْذُ أَرْشِهِ (إلَّا إنْ وَهَبَهَا)- أَيْ: الْبَهِيمَةَ- مَالِكُهَا لَهُ- أَيْ: لِرَبِّ الْإِنَاءِ- وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، فَإِنْ قِبَلهَا جَازَ، وَصَارَتْ هِيَ وَالْإِنَاءُ مِلْكًا لَهُ، يَتَصَرَّفُ بِهِمَا كَيْفَ شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَعَ تَفْرِيطِهِ)- أَيْ: تَفْرِيطِ رَبِّ الشَّاةِ- بِأَنْ أَدْخَلَ رَأْسَهَا بِيَدِهِ فِي نَحْوِ الْقِدْرِ، أَوْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا حَالَ الدُّخُولِ؛ (تُذْبَحُ) الْبَهِيمَةُ (بِلَا ضَمَانٍ) عَلَى رَبِّ الْإِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ مِمَّنْ لَمْ يُفَرِّطْ، (وَمَعَ تَفْرِيطِ رَبِّهِ)- أَيْ: الْإِنَاءِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ أَلْقَى الْإِنَاءَ فِي الطَّرِيقِ؛ (يُكْسَرُ) الْإِنَاءُ (بِلَا أَرْشٍ) عَلَى رَبِّ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمُفَرِّطَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ. (وَيَتَعَيَّنُ فِي) بَهِيمَةٍ (غَيْرِ مَأْكُولَةٍ) حُصِلَ رَأْسُهَا بِإِنَاءٍ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهِ (كَسْرُهُ)- أَيْ: الْإِنَاءِ- ولَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِحَالٍ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ لَمْ يُمَكَّنَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ، (وَعَلَى رَبِّهَا أَرْشُهُ)- أَيْ: الْإِنَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيطُ مِنْ مَالِكِهِ، وَإِنْ قَالَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ: أَنَا أُتْلِفُ مَالِي، وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ. (وَيَحْرُمُ تَرْكُ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ)- أَيْ: تَرْكُ رَأْسِ الْبَهِيمَةِ بِالْإِنَاءِ [بِلَا] ذَبْحٍ وَلَا كَسْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبُ حَيَوَانٍ، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الْإِنَاءِ، وَامْتَنَعَ رَبُّ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ مِنْ أَرْشِ الْكَسْرِ؛ أُجْبِرَ، لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ تَخْلِيصِهَا مِنْ الْعَذَابِ، فَلَزِمَ رَبَّهَا كَعَلَفِهَا. وَإِنْ غَصَبَ إنْسَانٌ فَصِيلًا أَوْ مُهْرًا وَنَحْوَهُ، فَأَدْخَلَهُ دَارِهِ، فَكَبِرَ وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ بِدُونِ نَقْضِ الْبَابِ، أَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَأَدْخَلَهَا دَارِهِ، ثُمَّ بَنَى الْبَابَ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ الْخَشَبَةُ إلَّا بِنَقْضِهِ؛ وَجَبَ نَقْضُهُ؛ لِضَرُورَةِ وُجُوبِ الرَّدِّ، وَرُدَّ الْفَصِيلُ وَالْخَشَبَةُ لِرَبِّهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ. (وَلَوْ حُصِلَ مَالُ شَخْصٍ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي دَارِهِ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ) مِنْ الدَّارِ (بِدُونِ نَقْضِ) بَعْضِهَا؛ (وَجَبَ نَقْضُهُ) وَأُخْرِجَ، (وَعَلَى رَبِّهِ) أَيْ: الْمَالِ الْمُخْرَجِ- (ضَمَانُهُ)- أَيْ: إصْلَاحُهُ- لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الدَّارِ) بِأَنْ دَخَلَ الْحَيَوَانُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَدْخَلَهُ رَبُّهُ. وَأَمَّا الْخَشَبَةُ إذَا حَصَلَتْ فِي الدَّارِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَانَ كَسْرُهَا أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ نَقْضِ الْبَابِ وَإِعَادَتِهِ؛ فَحُكْمُهَا كَالْفَصِيلِ، يُنْقَضُ الْبَابُ وَيَغْرَمُ صَاحِبُهَا أَرْشَ نَقْضِهِ وَإِصْلَاحِهِ، وَإِنْ كَانَ كَسْرُهَا أَقَلَّ ضَرَرًا كُسِرَتْ، وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ؛ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ، وَإِنْ كَانَ حُصُولُ مَا ذُكِرَ فِي الدَّارِ بِعُدْوَانٍ مِنْ صَاحِبِهِ؛ كَمَنْ غَصَبَ دَارًا وَأَدْخَلَهَا فَصِيلًا أَوْ خَشَبَةً؛ أَوْ تَعَدَّى عَلَى إنْسَانٍ، فَأَدْخَلَ دَارِهِ فَرَسًا وَنَحْوَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ كُسِرَتْ الْخَشَبَةُ، وَذُبِحَ الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ- وَلَوْ زَادَ ضَرَرُهُ عَلَى نَقْصِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِعِدْوَانِهِ. وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ ذَوَاتِ التَّرْكِيبِ كَالتَّوَابِيتِ وَالْأَسِرَّةِ؛ فَكَذَلِكَ إنْ فَرَّطَ مَالِكُ الدَّارِ نُقِضَ الْبَابُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَإِنْ فَرَّطَ مَالِكُهُ فُكَّ التَّرْكِيبُ. (وَلَوْ بَاعَهَا)- أَيْ: الدَّارَ- (وَفِيهَا مَا يَعْسُرُ إخْرَاجُهُ كَخَوَابٍ) غَيْرِ مَدْفُونَةٍ وَخَزَائِنَ غَيْرِ مَسْمُورَةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا، أَوْ كَانَ فِيهَا حَيَوَانٌ؛ يَنْظُرُ. فَإِنْ كَانَ ضَرَرُ النَّقْضِ أَقَلَّ مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي الدَّارِ أَوْ مِنْ تَفْصِيلِهِ مَا يَتَأَتَّى تَفْصِيلُهُ كَخَزَائِنَ وَمِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ؛ (نُقِضَ بَابٌ أَقَلُّ ضَرَرًا) وَكَانَ أَرْشُ نَقْضِهِ وَإِصْلَاحِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارِهِ، وَلَهُ فِيهَا أَسِرَّةٌ، وَتَعَذَّرَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّفْكِيكُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ نَقْضُ الْبَابِ أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي الدَّارِ وَمِنْ تَفْصِيلِهِ وَذَبْحِ الْحَيَوَانِ؛ لَمْ يُنْقَضْ الْبَابُ؛ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، (وَاصْطَلَحَا) عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ، أَوْ يَهَبَهُ لَهُ الْبَائِعُ. ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ. (وَمَنْ غَصَبَ نَحْوَ دِينَارٍ) كَجَوْهَرَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ، (فَحَصَلَ فِي مَحْبَرَةِ آخَرَ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ كُلِّ إنَاءٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ، بِفِعْلِ غَاصِبٍ أَوْ لَا، (وَعَسُرَ إخْرَاجُهُ) مِنْهَا بِدُونِ كَسْرِهَا، (فَإِنْ زَادَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَيْهِ)- أَيْ: الدِّينَارِ- بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً دِينَارَيْنِ وَقِيمَتُهَا مَكْسُورَةً نِصْفَ دِينَارٍ؛ (فَعَلَى الْغَاصِبِ بَدَلُهُ) أَيْ: الدِّينَارِ- يُعْطِيهِ لِرَبِّهِ، وَلَمْ تُكْسَرْ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، (وَإِلَّا) يَزِدْ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى الدِّينَارِ؛ بِأَنْ تَسَاوَيَا، أَوْ كَانَ ضَرَرُ الْكَسْرِ أَقَلَّ؛ (تَعَيَّنَ الْكَسْرُ)؛ لِرَدِّ عَيْنِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ إضَاعَةِ مَالٍ، (وَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- (ضَمَانُهُ)- أَيْ: الْكَسْرِ- لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا غَصَبَ دِينَارًا وَجَعَلَهُ (فِي مِحْبَرَةِ نَفْسِهِ)، وَلَمْ يَخْرُجْ بِدُونِ كَسْرِهَا فَإِنَّهَا (تُكْسَرُ) الْمِحْبَرَةُ (مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ زَادَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى الدِّينَارِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ فِيهَا بِتَعَدِّيهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَا بَنَى عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ إذَا بَنَى عَلَى حَجَرٍ كَانَ غَصَبَهُ؛ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ (كَهَذَا) يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُ الْحَائِطِ، وَرَدُّ الْحَجَرِ إلَى رَبِّهِ؛ لِعِدْوَانِهِ وَظُلْمِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ حُصِلَ) الدِّينَارُ أَوْ نَحْوُهُ فِي الْمِحْبَرَةِ أَوْ نَحْوِهَا (بِلَا غَصْبٍ وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ)؛ بِأَنْ سَقَطَ مِنْ مَكَانٍ، أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ أَوْ طَائِرٌ أَوْ هِرٌّ؛ (كُسِرَتْ الْمِحْبَرَةُ) وَنَحْوُهَا وُجُوبًا، (وَعَلَى رَبِّهِ)- أَيْ: الدِّينَارِ (أَرْشُهَا)- أَيْ: أَرْشِ نَقْصِ الْمِحْبَرَةِ بِالْكَسْرِ- لِأَنَّ الْكَسْرَ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ (إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ) رَبُّ الدِّينَارِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ- مَعَ ضَمَانِ أَرْشِهِ؛ (لِكَوْنِهَا)- أَيْ: الْمِحْبَرَةِ- (ثَمِينَةً) أَيْ: غَالِيَةَ الثَّمَنِ- فَإِنْ امْتَنَعَ (فَلَا طَلَبَ لَهُ)، وَيَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ.
(وَ) إنْ حَصَلَ الدِّينَارُ وَنَحْوُهُ (بِفِعْلِ مَالِكِهَا)- أَيْ: الْمِحْبَرَةِ- فَإِنَّهَا (تُكْسَرُ مَجَّانًا)، وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى رَبِّهَا إعَادَةُ الدِّينَارِ إلَى مَالِكِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بِدُونِ كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ، فَجَازَ كَسْرُهَا لِذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ مَالِكِهَا، (وَ) إنْ حَصَلَ فِيهَا (بِفِعْلِ رَبِّ الدِّينَارِ) فَإِنَّهُ (يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ) فِي الْمِحْبَرَةِ (وَ) بَيْنَ (كَسْرِهَا)، فَرَّطَ رَبُّ الْمِحْبَرَةِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، (وَعَلَيْهِ) أَيْ: رَبِّ الدِّينَارِ- (قِيمَتُهَا) كَامِلَةً؛ لِتَعَدِّيهِ، (وَيَلْزَمُهُ)- أَيْ: رَبَّ الدِّينَارِ- (قَبُولُ مِثْلِهِ)- أَيْ الدِّينَارَ- (إنْ بَذَلَهُ رَبُّهَا)- أَيْ: الْمِحْبَرَةَ- وَلَمْ يَجُزْ كَسْرُهَا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهُ مَالًا يَتَفَاوَتُ بِهِ حَقُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. وَلَوْ بَادَرَ رَبُّ الدَّيْنِ إلَى الْمِحْبَرَةِ، وَكَسَرَهَا عُدْوَانًا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَتُهَا وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.

.(فَصْلٌ): [ما يَلْزَمُ الْغَاصِبَ]:

(وَيَلْزَمُ) [غَاصِبًا] وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ بِيَدِهِ (رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ) بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ؛ كَقِصَارَةِ) ثَوْبٍ (وَسِمَنِ) حَيَوَانٍ (وَتَعَلُّمِ صَنْعَةِ) آدَمِيٍّ، (وَ) بِزِيَادَتِهِ (الْمُنْفَصِلَةِ؛ كَوَلَدٍ) مِنْ بَهِيمَةٍ، وَكَذَا مِنْ أَمَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا فَهُوَ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، (وَكَكَسْبِ) رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ، وَهُوَ لِمَالِكِهِ، فَلَزِمَهُ رَدُّهُ؛ كَالْأَصْلِ. (وَلَوْ غَصَبَ قِنًّا أَوْ شَبَكَةً أَوْ شَرَكًا، فَأَمْسَكَ) الْقِنُّ أَوْ الشَّبَكَةُ أَوْ الشَّرَكُ صَيْدًا؛ فَلِمَالِكِهِ، (أَوْ) غَصَبَ (جَارِحًا) أَوْ سَهْمًا، قَالَ فِي الْمُغْنِي: (أَوْ فَرَسًا)، قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ أَوْ قَوْسًا، (فَصَادَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ)- أَيْ: الْجَارِحِ- (أَوْ) صَادَ (عَلَيْهِ)- أَيْ: الْفَرَسِ صَيْدًا، (أَوْ) غَزَا عَلَى الْفَرَسِ، (فَغَنِمَ)؛ فَالصَّيْدُ وَسَهْمُ الْفَرَسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (لِمَالِكِهِ)- أَيْ: الْجَارِحِ وَالْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ- لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْمَغْصُوبِ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وُهِبَ لِلرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَالِكِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّحِيحِ عَلَى رِبْحِ الدَّرَاهِمِ، وَيَسْقُطُ عَمَلُ الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيَلْزَمُ غَاصِبًا (أُجْرَتُهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ- (زَمَنَ ذَلِكَ)- أَيْ: اصْطِيَادَهُ وَنَحْوَهُ- لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ زَرَعَ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ، فَأَخَذَ الْمَالِكُ الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا)- أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يَكُونُ لِمَالِكِ الْمَغْصُوبِ- (إنْ كَانَ مَا خَصَّهُ)- أَيْ: مَا حَصَّلَهُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَنِيمَةٍ- (قَدْرَ أُجْرَتِهِ)- أَيْ: أُجْرَةِ الْمَغْصُوبِ- (فَأَكْثَرَ) مِنْ أُجْرَتِهِ، وَأَمَّا إذَا نَقَصَ الْحَاصِلُ عَنْ قَدْرِ أُجْرَتِهِ؛ فَلِرَبِّ الْمَغْصُوبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ تُؤْخَذُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِعُدْوَانِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ غَصَبَ مِنْجَلًا، فَقَطَعَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ خَشَبًا أَوْ حَشِيشًا)؛ فَالْخَشَبُ أَوْ الْحَشِيشُ (لِغَاصِبٍ)؛ لِحُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ كَالْحَبْلِ الْمَغْصُوبِ يَرْبِطُ فِيهِ الْغَاصِبُ مَا يَجْمَعُهُ مِنْ حَطَبٍ وَنَحْوِهِ. (وَيَتَّجِهُ مِثْلُهُ)- أَيْ: مِثْلُ الْمِنْجَلِ فِي الْحُكْمِ- (لَوْ غَصَبَ سِلَاحًا) كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ وَنَحْوِهِ (فَصَادَ بِهِ)- أَيْ: بِالسِّلَاحِ الْمَغْصُوبِ- فَهُوَ لِغَاصِبِهِ؛ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ سَيْفًا، فَقَاتَلَ بِهِ، وَغَنِمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَزَالَ) غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ (اسْمَهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ- بِعَمَلِهِ فِيهِ (كَنَسْجِ غَزْلٍ) فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا، (وَطَحْنِ حَبٍّ) غَصَبَهُ فَصَارَ يُسَمَّى دَقِيقًا، (أَوْ طَبْخِهِ)- أَيْ: الْحَبَّ- فَصَارَ يُسَمَّى طَبِيخًا، (وَنَجْرِ خَشَبٍ) بَابًا أَوْ رُفُوفًا وَنَحْوَهَا (وَضَرْبِ نَحْوِ حَدِيدٍ) مَسَامِيرَ أَوْ سَيْفًا وَنَحْوَهُ، (وَ) ضَرْبِ (فِضَّةٍ) دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا، (وَجَعْلِ طِينٍ) غَصَبَهُ (لَبِنًا) أَوْ آجُرًّا، (أَوْ فُخَّارًا) كَجِرَارٍ وَنَحْوِهَا؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ وُجُوبًا مَعْمُولًا؛ لِقِيَامِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فِيهِ، (وَ) رَدَّ (أَرْشَهُ إنْ نَقَصَهُ)؛ لِحُصُولِ نَقْصِهِ بِفِعْلِهِ، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ عَيْنُهُ أَوْ قِيمَتُهُ أَوْ هُمَا، (وَلَا شَيْءَ لَهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- (لِعَمَلِهِ فِيهِ)، وَلَوْ زَادَ بِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ؛ كَمَا لَوْ غَلَى زَيْتًا، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي زِيَادَةِ الثَّوْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ لَا يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ بِجَعْلِهِ مَعَ مِلْكِ غَيْرِهِ. وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا؛ لَزِمَهُ رَدُّ ذَلِكَ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَذَبْحُ الْغَاصِبِ الشَّاةَ لَا يُحَرِّمُ أَكْلَهَا؛ لِأَنَّهَا مُزَكَّاةٌ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الزَّكَاةِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ وَلَا غَيْرُهُ أَكْلُهَا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. (وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- (عَلَى رَدِّ مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ) مِنْ مَغْصُوبٍ (إلَى حَالَتِهِ) الَّتِي غَصَبَهَا عَلَيْهَا، كَمَسَامِيرَ ضَرَبَهَا نِعَالًا؛ فَلَهُ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّهَا مَسَامِيرَ كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبَةِ مُحَرَّمٌ فَمَلَكَ الْمَالِكُ إزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى كَالْأَبْوَابِ وَالْفُخَّارِ وَالْآجُرِّ وَالشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، وَالْحَبِّ طَحَنَهُ؛ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ إفْسَادُهُ، وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ) إنْسَانًا (عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْهُ)- أَيْ: مِمَّا تَقَدَّمَ- (فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ)، وَالْحُكْمُ فِي زِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ النَّقْصِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ جَهِلَ الْأَجِيرُ الْحَالَ، وَضَمِنَ الْغَاصِبُ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْأَجِيرُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْأَجِيرُ الْحَالَ، وَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِدُونِ إذْنِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ؛ رَجَعَ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَعَانَ الْغَاصِبُ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْأَجِيرِ. (وَمَنْ حَفَرَ فِي) أَرْضٍ (مَغْصُوبَةٍ بِئْرًا أَوْ شَقَّ) فِيهَا (نَهْرًا، وَوَضَعَ التُّرَابَ) الْخَارِجَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ (بِهَا)- أَيْ: الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ- (فَلَهُ طَمُّهَا) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ)؛ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ تَالِفٍ بِهَا- أَيْ: الْبِئْرِ- أَوْ كَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ إلَى مِلْكِ (تَالِفٍ بِهَا)- أَيْ: الْبِئْرَ- أَوْ لِكَوْنِ الْغَاصِبِ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ، (وَ) لِلْغَاصِبِ حِينَئِذٍ (رَدُّ تُرَابِهَا مِنْ نَحْوِ مِلْكِهِ أَوْ طَرِيقٍ) نَقَلَهَا إلَيْهِ حَيْثُ بَقِيَ، فَلَوْ كَانَ بِسَيْلٍ أَوْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهُ الطَّمُّ بِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ لَهُ طَمُّهَا بِرَمْلٍ وَكُنَاسَةٍ وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَلَوْ أَنَّهُ أُبْرِئَ)؛ أَيْ: أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ (مِمَّا يَتْلَفُ بِهَا)- أَيْ: بِالْبِئْرِ وَنَحْوِهَا- لِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَشْيَةِ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا، (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ).
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي، فَإِذَا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ زَالَ التَّعَدِّي، فَيَزُولُ الضَّمَانُ، (وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ) مِمَّا يَتْلَفُ بِالْبِئْرِ مَعَ أَنَّهَا مُتَضَمَّنَةٌ لِمَا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ؛ (لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ) مِنْ حَافِرِ الْبِئْرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ (هُوَ التَّعَدِّي) مِنْهُ بِحَفْرِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ عُدْوَانًا.
(وَ) السَّبَبُ (الثَّانِي) هُوَ (الْإِتْلَافُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ) الْبَرَاءَةُ (بَرَاءَةً مِمَّا سَيَجِبُ)، وَإِنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْمَالِكِ عَنْ الْغَاصِبِ التَّعَدِّيَ بِرِضَاهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْغَاصِبُ طَمَّهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمَنَعَهُ مِنْ الطَّمِّ رِضًى بِالْحَفْرِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إبْرَائِهِ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا.
(وَ) إنْ كَانَ الطَّمُّ (لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَضَعَ التُّرَابَ فِي أَرْضِ مَالِكِهَا أَوْ فِي مَوَاتٍ، وَأَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا؛ (فَلَا يَطُمُّهَا) الْغَاصِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا نَفْعَ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ نُقْرَةً، فَطَبَعَهَا دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا نُقْرَةً بِدُونِ إذْنِ مَالِكِهَا. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَإِنْ أَرَادَهُ)- أَيْ: الطَّمَّ- لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (مَالِكٌ؛ أُلْزِمَ) غَاصِبٌ (بِهِ)- أَيْ: الطَّمِّ- لِعُدْوَانِهِ بِالْحَفْرِ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ. (وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ) غَصَبَ (بَيْضًا فَصَارَ) الْبَيْضُ (فِرَاخًا، أَوْ) غَصَبَ (نَوًى) فَصَارَ غَرْسًا، (أَوْ) غَصَبَ (أَغْصَانًا) فَغَرَسَهَا (فَصَارَتْ شَجَرًا؛ رَدَّهُ)؛ أَيْ: رَدَّ الْغَاصِبُ الزَّرْعَ وَالْفِرَاخَ وَالشَّجَرَ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، (وَلَا شَيْءَ لَهُ)- أَيْ: لِلْغَاصِبِ فِي عَمَلِهِ- لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ إبْقَاءُ الزَّرْعِ) فِي أَرْضِ الْغَاصِبِ لِلْغَاصِبِ (قَهْرًا لِ) أَوَانِ (حَصَادِهِ بِلَا أُجْرَةٍ) مُعَاقَبَةً، (لَا) إبْقَاءُ (الشَّجَرِ)؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ، فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ غَصَبَ شَاةً) أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً وَنَحْوَهَا، (وَأَنْزَى عَلَيْهَا فَحْلَهُ؛ فَالْوَلَدُ لِمَالِكِ الْأُمِّ)؛ كَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْفَحْلِ؛ لِعَدَمِ إذْنِ رَبِّهَا، وَلِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت: وَكَذَا لَوْ غَصَبَ نَخْلَةً، وَحَصَلَ مِنْهَا وَدْيٌ فَإِنَّهُ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا؛ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَإِنْ غَصَبَ فَحْلَ غَيْرِهِ عَلَى شَاتِهِ؛ فَالْوَلَدُ لَهُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْفَحْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ، لَكِنْ إنْ نَقَصَ الْفَحْلَ بِالْإِنْزَاءِ وَغَيْرُهُ؛ لَزِمَ الْغَاصِبَ أَرْشُ نَقْصِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ غَصَبَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ حَضَنَتْ بَيْضَهَا، فَصَارَ فِرَاخًا؛ فَهُمَا لِمَالِكِهَا، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي عَلَفِهَا، قَالَ أَحْمَدُ فِي طَيْرَةٍ جَاءَتْ إلَى دَارِ قَوْمٍ، فَازْدَوَجَتْ عِنْدَهُمْ وَفَرَّخَتْ يَرُدُّونَهَا وَفِرَاخَهَا إلَى أَصْحَابِ الطَّيْرَةِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا بِمَا أَنْفَقَهُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى.
وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ.